إنه ليحز في نفس كل عاقل وكل طبيب على وجه الخصوص ما يراه في عياداته من تعذيب وحرق وتشويه للأجساد باسم ما يسمى العلاج بالكي ولا سيما الأطفال الذين تشوه أجسادهم دون أن يؤخذ إذنهم في هذا التعذيب.
لقد توارث الآباء عن الأجداد الكّي واتخذوه علاجاً في كل ما يستعصي عليهم معتقدين فيه الشفاء لكل داء بل ويستدلون على ذلك بالأحاديث النبوية من غير فهم او علم. لقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة دون استشارة طبيب فقال صلى الله عليه وسلم: "لكل داء دواء فإذا أصاب الدواء الداء برئ بإذن الله عز وجل" وأورد عليه السلام ذكر الأدوية الشعبية في زمانه مثل الحجامة والكي قذكر أن لها فوائد ولكن نبه الأمه أنه يحب استعمال تلك الأدوية إذا وافقت الداء. روى البخاري عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن كان في شئ من ادويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لدغة بنار توافق الداء وما أحب أن أكتوي" وفي رواية "ولكنني أنهى أمتي عن الكي" قال الحافظ بن حجر في شرحه "توافق الداء": فيه إشاره إلى أن الكي إنما يشرع إذا تعيّن وتأكد أنه طريق مؤكد إلى إزالة الداء وأنه لا ينبغي التجربة لذلك ولا استعماله الا بعد التحقق من فائدته على المريض. روى مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب قال ومن هم يا رسول الله قال هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون" وهذا الحديث يرغب أيضاً في تجنب الكّي، أما ما اتخذه الناس خطأ حديثاً ونسبوه جهلاً إلى النبي بقولهم: "إن آخر الدواء الكي" وما علموا أن هذا المثل يراد به أحد أمرين، أولهما: أنه عندما تفشل الأدوية المجربة، أو يفقد الدواء الناجح، فعلى المريض أن يتقبل أي دواء حتى لو كان مؤلماً كالكي بالنار. ثانيهما: أن بعض الأمور لا تحسم إلا بالشدة إذا فشل اللين والرفق.
ومازلنا معاشر الأطباء نرى في زماننا أناساً قد أكتووا فلم يشفوا، ولم تخف آلامهم، بل ضمت إليهم آلاماً جديدة، وشوهوا بالكي جمال أعضائهم، فهذا لا يصح عن النبي بل هو قول حكيم لا يقصد به الكي لذاته، إن الطب الحديث قد استخدم الكي علاجاً مثل وقف النزيف كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع سعد بن معاذ رضي الله عنه، روى الإمام مسلم عن جابر بن عبدالله قال: رمى سعد بن معاذ في أكحله فضمه النبي بيده بمشقص – أي كواه بسهم – وإن كانت الآله تختلف ماضيا وحاضرا فدل هذا الحديث على أن الكي إذا وافق استعماله ولا يعلم موافقته للداء إلا الأطباء.
قال ابن حجر: ويؤخذ الجمع بين كراهته للكي وبين استعماله أنه لا يترك مطلقاً، ولا يستعمل مطلقاً، بل يستعمل عند تعيينه طريقاً للشفاء، وأن الكي جائز للحاجة، وأن الأولى تركه إذا لم يتعين الشفاء به.
قال الإمام المازري: الاكتواء من دون استطباب علمي يعد تعلقاً بالأوهام، وهو مناف للتوكل على الله وقد قال الله في كتابه: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"
د عادل الصمّ
استشاري أمراض القلب
مستشفى الملك فهد في جازان
0 تعليقات