ليس كل من قال أنا مكتئب هو حقاً كذلك، فالاكتئاب مرض نفسي لا يستهان به، وله صورة سريرية مميزة، ومعايير خاصة لتشخيصه (سيتم التطرق لها لاحقاً).
ويعرّف البعض الاكتئاب بأنه الشعور بالحزن والتعاسة، وقد يكون ذلك صحيحاً، غير أن الكثير منا يشعر، أو يعاني، من الحزن والتعاسة في فترة من فترات حياته، ولمدة قصيرة، غير أننا لا نستطيع اعتبار ذلك اكتئاباً. ومن هذا المنطلق يمكن تعريف الاكتئاب الحقيقي (المرضي) بأنه اضطراب مزاجي Mood Disorder يتجلى فيه الشعور بالحزن وعدم الاستمتاع بملذات الحياة، والتشاؤم والإحباط وتدني الطاقة الجسدية والعقلية. ويؤثر كل ذلك سلباً على الأداء الوظيفي والواجبات اليومية لعدة أسابيع أو عدة أشهر.
وبتعبير آخر، أستطيع القول إن الشعور بالحزن (أو ما نسميه “اكتئاب“) يحدث عند الجميع، غير أن هذا الشعور يتلاشى عادة ويزول تلقائياً بعد مرور فترة قصيرة من الزمن. في حين أن الاكتئاب المرضي هو عبارة عن اضطراب نفسي طويل الأمد يتمظهر في الحزن وعدم الاستمتاع بمباهج الحياة، يؤثر سلباً على حياة الإنسان المصاب به، وعلى نشاطه اليومي. إضافة إلى أنه يؤثر سلباً على حياة الأشخاص المقربين من المريض. ويحتاج المريض في هذه الحالة للتدخل الطبي للتخفيف من معاناته، من جهة، ولمنع تطور مضاعفات الاكتئاب، من جهة أخرى. علماً أن أغلب حالات الاكتئاب تستجيب جيداً للعلاج.
ويعتبر الاكتئاب واحداً من أكثر الأمراض (الجسدية والنفسية) التي تؤدي إلى إزعاج وإعاقة المصاب به. فالعذاب النفسي المستمر والتفكير بالانتحار تؤثر سلباً على نوعية حياته (علماً أن مرضى الاكتئاب معرضين لخطر الإقدام على الانتحار أكثر من غيرهم من المرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية أخرى).
وقد يكون الاكتئاب مرضاً قائماً بحد ذاته، وفي هذه الحالة يسمى “اكتئاب أولي“. أو قد يكون عرضاً من أعراض أمراض جسدية ونفسية أخرى. وفي هذه الحالة يسمى “اكتئاب ثانوي“. وفي هذا المقال سنركز جل اهتمامنا على الاكتئاب الأولي.
أسباب الاكتئاب
أكثر النظريات ترجح أن السبب الرئيسي الذي يقف وراء إصابة الإنسان بالاكتئاب هو انخفاض مستوى الناقلات العصبية Neurotransmitters في الدماغ وأهمها “السيروتونين” Serotonin و “النورأدرينالين” Noradrenaline. والناقلات العصبية هي عبارة عن مواد كيميائية تستخدم لتحقيق الاتصال بين الخلايا العصبية. لذلك نلاحظ أن تناول المريض للأدوية المضادة للاكتئاب (والتي ترفع من مستوى الناقلات العصبية المذكورة سابقاً) يؤدي إلى التخفيف أو القضاء على أعراض الاكتئاب.
الأعراض العامة
يعتبر كل من المزاج الاكتئابي (حزن، وضيق) وفقدان الاستمتاع بمباهج الحياة، الأعراض الرئيسية للاكتئاب.
ومع ذلك فإن الاكتئاب يختلف من شخص إلى آخر، مع الحفاظ على بعض الأعراض والعلامات المشتركة للاكتئاب. وكلما زاد عدد هذه الأعراض وطالت مدتها، كلما زادت شدة الاكتئاب وبالتالي المعاناة.
وأما الأعراض والعلامات العامة للاكتئاب، فهي:
• الشعور بالحزن واليأس والضيق.
• اللامبالاة وعدم الاستمتاع بمباهج الحياة، التي اعتاد المريض أن يستمتع بها.
• فقدان الرغبة الجنسية.
• الخمول والشرود وعدم التركيز (وهذا قد يؤدي الى النسيان).
• التردد في اتخاذ القرارات.
• شعور المريض بأنه انسان تافه وعديم القيمة ويفقد الثقة بذاته.
• الشعور بالذنب وتقريع الذات، بسبب وقوع حوادث مؤسفة من الصعب تفاديها أو تجنبها لا ذنب له فيها.
• إرهاق عام وفقدان الدافع للقيام بأدنى جهد عقلي وجسدي.
• غضب وهياج لأتفه الأمور.
• عدم المقدرة على النوم (وأحياناً قد يكثر المريض منه).
• فقدان الشهية لتناول الطعام (وأحياناً زيادتها).
• البطء في الكلام والتفكير.
• التفكير في التخلص من الحياة (وأحياناً قد ينجح في الانتحار).
• شكاوى ومعاناة جسدية، دون وجود أسباب واضحة لها، مثل: ألم في اسفل الظهر والمفاصل وصداع.
فحص الحالة العقلية
المظهر والسلوكيات:
من أكثر العلامات والأعراض شيوعاً عند مرضى الاكتئاب هو البطء الحركي والعقلي (غير أنه قد يلاحظ على المريض أحياناً هياج حركي وعقلي، خصوصاً عند الأطفال والرجال وكبار السن (من الجنسين). وأكثر علامات التهيج حدوثاً، هي فرك أو عصر اليدين وهوس نتف شعر الرأس).
وتلاحظ علامات الإهمال الذاتي على معظم المرضى، مثل: عدم حلاقة الذقن، الثياب القذرة، رائحة الجسد والفم الكريهتان (وذلك لغياب الدافع للاهتمام بالنظافة العامة).
وعادة يجلس المريض وهو منحنٍ إلى الأمام محدقاً نحو الأرض، وتكون تجاعيد جبهته متدلية نحو الأسفل.
الكلام والحديث:
يلاحظ على الكثير من المرضى بطء الكلام وانخفاض جهارة الصوت،
ويُجيب المريض على السؤال الموجه إليه بعد فترة ملحوظة من الانتظار (دقيقة إلى دقيقتين) بكلمة واحدة.
المزاج والشعور:
يعاني المريض من الحزن واليأس والبكاء (وقد يكون بعض المرضى غير قادر على البكاء) وعدم التمتع بمباهج الحياة التي سبق وأن تمتع بها Anhedonia ويفقد الحب والحنان والعطف تجاه أفراد عائلته.
ويعاني المريض أيضاً من الوسواس والهستيريا والرهاب Phobia. ومن العلامات والأعراض العضوية للقلق Anxiety، مثل: خفقان القلب Palpitation، رجفان (رعشة)، دوار (دوخة)، إرهاق، بلادة (لامبالاة) Apathy. كذلك يعاني المريض من عدم المقدرة على التركيز والانتباه، وعدم وجود الدافع للقيام بالواجبات اليومية الأساسية. فمثلاً نرى ربة البيت لا تعير انتباهاً لنظافة البيت ولا لإعداد طعام الغذاء. ويذهب المريض للاستحمام بعد إلحاح الأهل والأقارب.
ومن أبرز الأعراض البيولوجية للاكتئاب: فقدان الشهية للطعام ما يترتب عليه فقدان الوزن، كذلك تتميز الأعراض البيولوجية بفقدان الرغبة الجنسية وإمساك الغائط وغياب الحيض واضطراب النوم.
ويعاني المريض أيضاً من أعراض عضوية، مثل: صداع، دوران، ألم في أسفل الظهر، إمساك الغائط.
وهنا، أرى لزاماً علي أن أتوسع في شرح المظاهر التالية:
1. الشهية للطعام
لا يعاني جميع مرضى الاكتئاب من فقدان الشهية ونقص الوزن، بل قد يعاني البعض من الإفراط في تناول الطعام (دون التلذذ به) وزيادة الوزن. وفي هذا الصدد يعتقد بعض العلماء أن المريض “يتفشش“، لأنه يتغلب على الاكتئاب والقلق بالتسلية بتناول الطعام.
2. المزاج
يكون عادة مزاج المريض مكتئباً خلال ساعات النهار جميعها، غير أنه في ساعات الصباح يكون الاكتئاب أكثر شدة (أثناء الاستيقاظ من النوم).
3- اضطراب النوم:
يكون عادة اضطراب النوم على شكل أرق Insomnia غير أن بعض المرضى قد يعانون من الإفراط في النوم، ومع ذلك لدى الاستيقاظ لا يشعرون بالنشاط، بل على النقيض يشعرون بالكسل وعدم وجود الدافع لمغادرة الفراش.
وأما الحرمان من النوم، فإما أن يكون على شكل الاستيقاظ المبكر عن العادة بساعتين أو ثلاث ساعات. ولا يعود للنوم ويجلس مهموماً ويفكر بحالته ووضعه المشؤوم. وأستطيع القول إن الاستيقاظ المبكر المصحوب بالتشاؤم هو من المظاهر المهمة في تشخيص الاكتئاب (كيفوركيان 1996). وأما النوع الثاني من الأرق فيكون عبارة عن الاستيقاظ وسط أو خلال فترة النوم ويكون المريض قلقاً، غير أنه يعاود النوم. وقد يكون الأرق في بداية مرحلة النوم، حيث يواجه المريض صعوبة في الخلود الى النوم، وقد يستغرق ذلك ساعة إلى ساعتين.
4- الصفات الذهانية:
في حال معاناة المريض المصاب بالاكتئاب من الضلالات Delusions أو الهلوسات Hallucinations، نشخص حالة المريض بأنه يعاني من الاكتئاب الذهاني Psychotic Depression. وقد ذهب بعض العلماء إلى أبعد من ذلك، إذ أطلقوا مصطلح الاكتئاب الذهاني على مريض الاكتئاب الذي يعاني من الامتناع عن الكلام المطلق، ولا يستحم، ولا يتحكم بالغائط (البراز)، رغم عدم وجود الأعراض الكلاسيكية للذهان (الضلالات والهلوسات).
———————
المصدر: webmd
0 تعليقات